إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
محاضرات بعنوان: عناية السلف بالحديث الشريف
12927 مشاهدة
الزهري ورواية الحديث

وهكذا أيضا اشتهر من التابعيين الزهري محمد بن مسلم بن شهاب لكن كان يكتب، وذلك أنه أشار عليه الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وقال: اكتب ما تيسر من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. فكتبها في صحائف، يمكن أنه كتب أكثر من ثلاثمائة حديث أو خمسمائة منها الأحاديث الطويلة كحديث كعب بن مالك الطويل في توبته، وحديث عائشة في قصة الإفك، وغيرهما، ولما كتبها حفظها بعدما ترددت قراءته لها.
فاشتهر الزهري برواية الحديث في المدينة مات سنة مائة وست وعشرين. أدرك من الصحابة أنس بن مالك من الذين رووا الأحاديث، وأما كبار الصحابة فما أدركهم؛ حتى ابن عمر أدركه، ولكن لم يتمكن من الرواية عنه. ابن عمر مات سنة أربع وسبعين، ولم يتمكن من الرواية عنه إلا القليل القليل، ولكن روى عن تلامذتهم. من جملة من روى عنه سعيد بن المسيب الذي كان تلميذا لأبي هريرة حيث إن سعيد بن المسيب تزوج بنت أبي هريرة فكان من أخص تلاميذه، وروى عنه أحاديث كثيرة.
فالزهري يقول: حدثني سعيد عن أبي هريرة وكذلك يروي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه. سالم أيضا من جملة من حدث عن أبيه أحاديث كثيرة فهو يقول: عن سالم عن أبيه، وكذلك يروي عن عروة بن الزبير عن عائشة ؛ لأن عروة كثير الرواية عن عائشة لأنها خالته فالزهري يقول: عن عروة عن عائشة ويروي أيضا عن سعيد بن جبير عن ابن عمر وغيره، فاشتهر الزهري رحمه الله برواية الأحاديث.
وأقبل تلاميذه الكثيرون يروون عنه. كان من جملتهم سفيان بن عيينة الذي عُمِّرَ حتى أدركه الإمام أحمد فالإمام أحمد يروي يقول: حدثنا سفيان عن الزهري عن أنس لا يكون بينه وبين أنس إلا اثنان شيخه وشيخ شيخه. هذا دليل أيضا على أنه اهتم بالأحاديث يعني: سفيان بن عيينة تلاميذ الزهري كثير؛ الذين رووا عنه هذه الأحاديث، وكتبها كثير منهم وحفظ آخرون. ذكر في ترجمة هشيم بن بشير أنه جاء إلى الزهري أملى عليه أحاديث نحو مائة حديث أو مائتين، وكتبها هشيم في أوراق، ولكن في أثناء سيره جاءت ريح فطارت بتلك الأوراق، ولم يظفر بها. طارت بها ريح وضاعت عليه فكان يحدث منها بما علق في ذاكرته، ولذلك وقع في رواية هشيم عن الزهري شيء من الاختلاط؛ لأنه ما ضبطها كثيرا؛ بل طارت منه قبل أن يحفظها، فلذلك يقولون: رواية هشيم عن الزهري ليست متفقا عليها لما جاء فيها من المخالفة.
والحاصل أن الزهري هو أول من اشتهر بكتابة الأحاديث كتب أحاديث الصحابة أو أكثرهم، ودوَّنها وحفظها ونقلها عنه تلاميذه الكثير. يروي عنه معمر بن راشد أحد الحفاظ أيضا. معمر بن راشد له أيضا أحاديث جمعها وكتبها، طبعت في آخر كتاب عبد الرزاق مصنف عبد الرزاق المطبوع. يرويها معمر عن الزهري وعن غيره من مشائخه الذين تتلمذ عليهم؛ فهو ممن بقيت كتابته. كذلك أيضا الزهري تلاميذ كثير كانوا يكتبون الأحاديث، ثم يروونها ويرويها عنهم تلامذتهم؛ فهذا دليل على أن العلماء رحمهم الله اهتموا برواية الأحاديث، وبنقلها وبحفظها.